سيدي إبراهيم الصوفي بن الطالب أحمد جدو
عاش سيدي إبراهيم الصوفي بن الطالب أحمد جدو في آخر القرن الثاني عشر وأول القرن الثالث عشر الهجريين؛ بناء على أن شيخَه الذي درس عليه وهو الشيخ العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي خرج للتعليم والحج في حدود الثانية والعشرين (22) من عمره ولم يرجع ويجلس للتدريس إلا سنة:1190هـ. مما يعني أن سيدي إبراهيم الصوفي بدأ الدراسة عليه بعد هذا التاريخ، ولبث عنده وقتا طويلا، حتى وُصف بأنه من أشهر طلابه الكبار كما سيأتي.
لا تسعفنا المراجع ولا الروايات الشفوية حتى الآن بكثير من تفاصيل حياته الأولى، ولا عن ظروف النشأة سوى أنه عاش بداية شبابه بين أخواله من أولاد انبارك، سلاطين أكبر إمارة كانت في ذلك العصر وفي ذلك المجال الجغرافي؛ لأن أمه سليلة بيت الرياسة فيهم، فأبوها هو: سيد أحمد بن المختار(شريف حسان).أمير من أمراء أولاد انبارك، بل من أنبلهم، وأكرمهم في زمانه، تغنت به الشعار وكان على كل لسان.
نشأ سيدي إبراهيم الصوفي بين أخواله، فتى يافعا، فجرب حياة الفتوة، وطبائعَ أهل الشوكة والقوة والسلاح، وخَبِر الفروسية، وتحلى بالنخوة والشهامة المغفرية، ولما قدم إلى مضارب قومه واخوته - حيث "حِلة" أبيه الطالب أحمد جدو بن نختيرو (المختار) وجد القوم على حال غير الحال التي ألفها سلفا، فالحياة الزاوية هي السائدة، ما لم يدع داع إلى الإتصاف بصفة: " الزاوايا المحاربين".
قرر سيدي إبراهيم الصوفي ومن غير تردد الانخلاع مما كان فيه من زهرة الدنيا وحياة الفرسان، وترك الحياة التي تربى عليها، وتفرغ للانقطاع للعلم والعبادة، والترقي في مقامات السلوك، وايثار الآخرة على العاجلة، فولى وجهه شطر عالم عصره ووحيد دهره عالم الشريعة والمتحقق بالربانية والحقيقة: سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي(ت:1233هـ). وذلك بعد رجوعه من رحلة العلم والحج واستقراره في حاضرة تججگه المحروسة سنة:1190هـ. حيث كان من أشهر طلابه الأوائل.
نهل سيدي إبراهيم الصوفي من العلم، وتحلى بأعظم مقامات السلوك، فكان من ذلك الصنف الذي حرص الشيخ على تعليمهم وتربيتهم تربية خاصة، وليس من الصنف الآخر الذين يأخذون عنه العلم دون تربيتهم سلوكيا، كما يقول مؤلف كتابه" الدر الخالد في معرفة الوالد". فدرس وتعلم صحبة ابن عمه وأخي زوجته: گواد (القائد) بن الشيخ المختار بن اخليفَ بن الطالب المصطفى القلاوي، ذكرهما صاحب الدر الخالد، وصنفهما ضمن مشاهير تلاميذ والده، (ص:10).
ذهب سيدي إبراهيم الصوفي في سياحة صوفة كما ذكرنا، وكان ذلك على حين فترة من الاتصال وانقطاع من الأخبار، ولا أعلم هل هذا الذهاب كامن متصلا بفترة ما بعد التعليم والتحصيل أم كان بعد الرجوع للأهل وتكوين العائلة والإنجاب للعقب، كلما نقطع به أنه انخلع من زهرة الدنيا، وزهد في خلافة أبيه في "حِلته" ورئاسة قومه، رغم أنه كان الأكبر سناً من ولد الثلاثة - حسب معطياتي- وكان يمتلك من مؤهلات الفتوة والقوة والعُدة من الكراع والسلاح والحَشم - الذي قدم به من عند إمارة أخواله- ما يعينه على ذلك، لكنه آثر الله والدار الآخرة، وفضل الذهاب في هذا الطريق المفضل. "انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا".
تزوج سيدي إبراهيم الصوفي من كريمة العالم القائد سليل بيت الرياسة، ابنة عمه: الشيخ المختار بن اخليفَ بن الطالب المصطفى القلاوي(ت:1212هـ) واسمها: "الخيرة" وكنيتها: "أمنا"، وهي الأخت الصغرى لگواد، زميله في الدراسة وابن عمه المنوه به سابقا، وأنجب منها أغلب أبنائه، وخلف أربعة أبناء وبنت، وهم:
1. يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي. انقرض عقبه (بعد ذيل)، وقد عرف هو وبنوه بالشجاعة والقوة الخارقة، وكان ولده محمد وحفيده گواد ولد محو ولد يشع من أشد الناس فتكا بالمستعمر، في أجار ولد الغوث، وفي حرب أهل الكديه.
2. حمادي بن سيدي إبراهيم الصوفي. يعرف بـ(حمادي لكحل). انقرض عقبه. كان من الأبطال، في زمن حروب القبيلة الدفاعية عن الحريم والكرامة.
3. سيدي محمد بن سيدي إبراهيم الصوفي. عقبه يدعون الآن أهل عنگر(سيد بوبكر).
4. سيدي بوبكر بن سيدي إبراهيم الصوفي. وعقبه من سيدي محمد، والطالب (بو لثام).
أما البنت فهي: "الطاهرة بنت سيدي إبراهيم الصوفي"، سَميَّة جدتها لأمها. (الطاهرة) بنت العالم الفاضل: سيدي محمد بوره العلوشي الداودي، وزوجة الشيخ المختار ولد اخليفَ. وقد تزوجها ابن عمها: محمد بن سيدي بو بكر بن الطالب أحمد جدو بن المصطفى، سليل بيت الرياسة في أهل الطالب جدو.
وهؤلاء العقب اليوم يشكلون ما يعرف بأهل سيدي إبراهيم الصوفي، أكثر فصيل من فصائل أهل الطالب أحمد جدو الثلاثة، وهم في ضمن مكونة اجتماعية أوسع تسمى "بأهل الطالب جدو" تتكون من نحو عشرين فخذا، وتقطن غالبا في المجال الجغرافي لولاية لعصابه، في وسط الجمهورية الاسلامية الموريتانية.
رحم الله الصوفي العابد الزاهد: سيدي إبراهيم بن الطالب أحمد جدو، وجمعنا به في مستقر رحمته، وتحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. اللهم آمين.
أنظر لترجمته:
الدر الخالد في معرفة الوالد: لمحمد محمود بن سيدي عبد الله العلوي.
:
التراجم