محمد بن يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي القلاوي
هو البطل المغوار، والفارس الشجاع: محمد بن يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي بن الطالب أحمد جدو بن (شهيد المعترك: نختيرو= المختار) بن الطالب المصطفى القلاوي رحمهم الله تعالى.
عرف بالقوة والبسالة، ورباطة الجأش، شارك في معارك متعددة ضد الاحتلال الفرنسي، وذلك في ضمن المقاومين الشجعان من أبناء قبيلته والقبائل التي ناهضت الاحتلال الفرنسي في مناطق ارقيبه وأفله واركيز، ومن أشهر تلك المعارك التي خاضها: معركة يوم (أجار ولد الغوث) في منطقة اسبيخه، قرب مدينة الطينطان الحالية، سنة:1908م. والتي كانت بين المجاهدين من قبيلة لقلال خاصة، وبين الاحتلال ومن يشايعونه من البيضان والزنوج من جهة أخرى.
وقد يكون في الحديث عن شجاعة محمد بن يوشع نوع من الاحراج؛ لأنه حديث عن رجل شجاع وقوي على وجه لا عهد للكثير منا به، فيكون من باب التحديث بالغرائب التي قد لا يتفهما كل القراء وإن تفهما البعض، فالرجل كانت له مواصفات من القوة والشجاعة أشبه ما تكون بالخيال، لكنه هو الواقع بدون مبالغة.
لذلك فإنه من الأفضل أن نترك المجال رحبا لأحد معاصريه ممن كان له معه موقف بطولي خاص في ظروف استثنائية ليحدثنا عنه، فهو أدرى به، وليس من رأى كمن سمع، فالرؤية عين اليقين، لا مجال لتكذيبها، مهما كانت الدواعي.
صالح ولد بيبه ولد صالح، البطل المعمر الثقة (ت:1978م) وهو لا يزال يحتفظ بذكرياته البطولية المشتركة مع محمد بن يوشع، وخاصة منها ما كان يوم وقعة أجار ولد الغوث، مع النصارى المحتلين، حيث كانت فيه معركة كبيرة بين لقلال ولاحتلال، تكبدت فيها لقلال حوالي ثلثي جيشها البالغ: 300 مقاوم مدربين على يدي أبناء بوگرين من أهل أحمد الطالب فارس الداسره،.
وكان صالح بن بيبه بن صالح شاهد عيان على وقائع هذه المعركة، من أولها إلى آخرها، وذلك عن قرب؛ لأنه كان ضمن (الشوف) الذين ذهبوا يتحسسون أخبار العدو؛ لتقدير مدى قوته التسلحية، وهو من نصح المجاهدين بعدم مواجهة العدوفي تلك اللحظة، وتركه يمر إلى مناسبة تكون أمكن لهم من عدوهم، وأضمن لهزيمته، وإنما ذلك لما رأى من كثرة سلاحه، وتطور عدته، وكثرة عدده بمن معه من الأتباع من القبائل "المكاتبة"، ولكن المتحمسين من المجاهدين، وخاصة منهم من فاتتهم (بدر انيملان: في 17، رمضان/1324هـ) = 1906م. كانت لهم الغلبة على الرأي، على خلاف رغبة القائد العام: سيدي بن الغوث، الذي كان يميل إلى رأي صالح في التحيز والتحرز من العدو إلى فرصة أحسن، ولكن خالفوا رأيه، فحدث المعركة، ولكل لأجل كتاب.
ولما تقضت معركة أجار بحصيلتها الثقيلة على القبيلة وعلى المستعمر الذي فقد الكثير من الأرواح والعتاد، وخاصة في الجولة الأولى من المعركة، قبل نفاد ذخيرة المجاهدين، كان بطلنا محمد ولد يوشع من المقاومين الأشداء الذين أثخنوا في المستعمر قتلا وجرحا، وقاتلوه بالسلاح الأبيض، في اقتحام بطولي نادر، واستشهاد على فوهات مدافع العدو ذات الطلق السريع، بل من المدافع الرشاشة، من نوع (بوتاسارت)، حيث كانوا يقتحمون من بين فوهات المدافع المنصوبة عليهم على مضيق( فم أجار) الذي يعتبر هو المنفذ الوحيد، فينجو منهم الرجل والرجلان، رافضين أي استسلام للعدو، بل رافضين اظهار أي ضعف واستكانة له.
كان صالح بن بيب بن صالح - والحديث له- قد أعمل في العدوي من القتل والنكال ما يشفي الصدور، قبل أن تنفد خيرته، ويصاب اصابة بالغة، لم تترك له مجالا للتحرك، فقام بحفر اخدود في الأرض، ودفن فيه سلاحه وسلاح نصراني كان قد قتله، ثم وارى التراب على ذلك واتكأ عليه بين القتلى والجرحى، لا حراك منه، حتى أنه لما جاء النصارى بعد المعركة يفتشون على القتلى وسلاحهم ويشيدون بشجاعتهم؛ لأنهم لم يثنهم عن القتال إلا نفاد أسلحتهم، فلا يسمع صالح إلا صوت النصراني ( بوه بوه = سبوه) أونفخه في (جعبة المدفع)، وربما سمع بعض رطانة ( آماريز= المترجمون).
على الطرف الآخر كان هناك مجاهدوا لقلال يعيدون ترتيب تجمعهم العسكري، ويسألون عن الناجين والجرحى والشهداء، فسأل القائد العام للمعركة: سيدي بن الغوث عن صالح بن بيبه بن صالح خصيصا ماذا كان حاله؟ فأجابه إبراهيم الريگط ( مولى أهل احديحد)، بأنه قد أبصر صالحا في آخر المعركة وعينه (تطرف) بين الأموات، فما هو بميت، وكان صالح إذا ذكرها يشيد بفطنة إبراهيم، ويقول: لا يعقل في الحرب إلا الشجاع رابط الجأش ( حاكم قلبو).
سمع المقالة محمد ولد يوشع بأذنه الواعية لخصال وبطولة زميله صالح بن بيبه بن صالح فانطلق كالسهم لا يلوي على شيء، عائدا إلى ميدان المعركة في أجار، وحذره بعض الناس من أن العدو لا يزال مُعرسا في أرض المعركة، فلم يبالي قولته باله، وذهب منطلقا حتى وقف على شفير أجار، ونادى بصوت عال: يا صالح! هل أنت حي، قال: فأجبته أن نعم. أنا حي.
قال فنحط على كانحطاط الصقر، فأخذني على ظهره (بنباني) كالصبي وحمل المدامع الثلاثة: بندقيته وبندقيتي، والثالثة التي غنمتها من النصراني، ثم انطلق كأنه لا يحمل شيئا حتى بلغ مسافة يأمن فيها ملاحقة العدو، فأبصر بعض (مكاتبيهم) على دواب (حمير) فأطلق عيارا تحذيريا فوق رؤوسهم، فتركوا مركبا حملني عليه إلى خيمة القائد العام، حيث جعلت لي خيمة، وجاءني الطبيب التقليدي وخضعت لجراحات من أجل نزع الرصاص(البارود) من جسدي( وكان جسده كالجلد المخرز من كثرة الإصابات (اصوادف)، قال: وجاءت أختاي امريم واقويليه، وكان صالح وحيد اخوتهم، الناجي من المعارك بين لقلال وخصومها، قبل الاحتلال، فهو الوحيد الذي أدركه المستعمر من اخوته.
هكذا روى لنا صالح جانبا من قوة صديقه محمد بن يوشع الخارقة للعادة، ولا يعرف الشجاعُ إلا الشجاعَ، لكن قوة محمد بن يوشع لم تكن وليدة يوم "أجار"، وإن كانت الحرب تكشف معادن الرجال، بل إن قوته كانت من المسلمات المعروفة بين أهل وأقرانه، ويتداولون في ذلك الكثير من القصص العجيبة، التي منها: أن السبع (الحيوان المفترس المعروف) دخل ضحى في " بعض أسكران أهل الطالب جدو" - وأسكران هم أهل البقر الذين لا يذهبون مع أهل الابل إلى "منطقة آوكار" في فصل الشتاء- فزمجر الأسد الضاري في "آسكر" فكثر العويل والصراخ، بعد أن أعرب الأسد عن نيته العدوانية فأنقض على الفاضل الشريف: سيدي محمد بن الجيلي ورماه في أيكة (ايگنيته)، ثم وقف دونه، سمع محمد بن يوشع الأصوات، وكان خارج آسكر فهُرع إليهم، وشاهد الوضع المأساوي: أسد جسور دخل على الحي ورمى رجلا في أيكة، وينتظر لحظته المناسبة ليجهز عليه.
شمر محمد ولد يوشع ومضى نحو الأسد فتحفز الأسد نحوه وانقض عليه لكن ( الأسد الرجل بادره بحركة سريعة ومعاكسة ) فاستوى على ظهره، ومسك بأذنيه فما برح منه بعد ذلك إلا الزئير الأجوف، زئير الاستسلام، طلب محمد بن يوشع من الحاضرين حبلا ووتدا، فألجم الأسد على الوتد، وقام يقوده بخطامه بين أهل "آسكر" فسبحان من هو القوي، الذي يعطي من قوته لعباده بقدر ما يشاء.
هذا باختصار مَلمح قصير من ملامح شخصية البطل القوي: محمد بن يوشع أحد أبطال معركة أجار الخالدة، وقد روى لنا جانبا من خبره بطل آخر لا يقل عنه قوة وشجاعة، وهو محل الثقة الكاملة، فلا مجال للتحليل ولا التخمين في الخبر.
تعتبر أسرة آل يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي برجالها ونسائها أسرة ذات معالم خاصة، فهي من الأقوياء الأشداء، وكلهم أبطال، لكن للأسف الشديد وكما يقول الشاعر: "...وأم الصقر مقلاة نزور". فلم يمتد عقب هذه الأسرة، بل انقرض بعد ذيل قصير، حيث أنجب محمد بن يوشع ولده گواد (القائد) بن محمد بن يوشع الذي كان حربا على الفرنسيين في مجال منطقة: ارگيبه وأفله حتى بعد المكاتبة، مما أحرج القبيلة، التي كانت "كاتبت" سنة:1909م. وارتبطت بمعاهدة سلم مع الفرنسيين، فطلب شيخ العامة يومها: جدو بن البو من گواد أن يتحول إلى منطقة الحوض حتى لا يأخذهم الاحتلال بجريرته، فاستجاب له گواد، الذي قيل إنه ذهب إلى أبناء عمومته هناك من أولاد موسى، وسكن فيهم، ولم نجد عنه بعد ذلك خبرا حتى اليوم، ولا نعرف ما إذا كان أنجب أم لم ينجب! كل ما نعلمه أنه بطل بن بطل بن بطل.. وأنه شبل من ذلك الأسد: محمد بن يوشع، الذي لا تحضرني الآن سنة وفاته ولا أين دفن، فهو الجندي والبطل المجهول، فلعل القراء الكرام تكون عندهم معلومات بهذا الخصوص، مكملة لهذه النبذة الترجمانية.
وقد أعقب محمد بن يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي- إضافة إلى گواد- بنات عاش منهم ثلاثة، وكن من أهل القوة والشجاعة، ولهن بعض الأحفاد الذين لا زال منهم البعض حيا ولله الحمد.
رحم الله البطل المجاهد: محمد بن يوشع بن سيدي إبراهيم الصوفي.
ورحم موتانا ومواتكم وجميع المسلمين.
:
التراجم