بعض الأخطاء المنشورة عن قبيلة لقلال المشهورة





بعض الأخطاء المنشورة عن قبيلة لقلال المشهورة


على الرغم من صعوبة تصحيح واستدراك الأخطاء الواردة بهذا الخصوص وغيره؛ نظرا لوفرة وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة النشر والناشرين فيها، وتعدد الفضوليين، وانتحال المبطلين، ونَفاق سوق المزورين، إلا أن "ما لا يدرك كله لا يترك جله". كما جاء في قواعد الأخذ بالممكن المتاح.
فهناك منشور متداول بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة على صفحات "الفيس بوك"، الخاصة والعامة، مضى عليه حين من الزمن والناس يشاهدونه من غير تصحيح له، ولا إشارة لضعف مضمونه، حتى كأنهم يستسمنون ورمه، ويرضون رواجه. وهو بعنوان "معلومات مهمة عن قبيلة لقلال" ويذيل أحيانا باسم" أحمدو سيدي مالك، وأحيانا بسم شخص آخر يُدعى: "محمد برار" الذي يدعِي أن الأخ سيدي مالك المذكور أخذ مجهوده الفكري والعلمي، وتعدى على حقوقه الأدبية في حق النشر.
وهذا المنشور يعود في أصل بداية نشره حسب اطلاعي، وكما هو مبين في الروابط المرفقة بهذا البحث إلى "مدونة تامشكط". قبل أن ينشر لاحقا على موقع "النسابون العرب"، ولم أكن أهتم بالرد عليه، لأنه كغيره من الأمور المنشورة عن القبيلة على فضاء "مارك الأزرق" بدون تثبت - وهي كثيرة- لا يمكن الرد عليها، ولا طاقة لأحد على مواكبتها، ولكنها لا تحظى بمصداقية يعول عليها، أو هكذا كان الشعور لدي على الأقل.
غير أني رأيت منذ فترة بعض الإخوة الباحثين يحيل على هذا المنشور، ويسطره أو بعضه في هوامش كتبه، وكأنه مرجع يرجع إليه، وهذا وإن كان من باب "رعي الهشيم" إلا أنه مما قد " يقتل حبطا أو يلم"؛ لأنه يصبح مع مرور الزمن وكأنه أصل يعتمد عليه، وخاصة إذا دونه البعض في كتبهم، ثم تُنوسي أصل المصدرية، كما هو حال الكثير من المعلومات التي كانت في بدايتها أكذوبة فجة، ثم ما لبثت أن راجت سوقها، وأقبل عليها "الزبناء" بلا حصر. وإلا فالأصل أن كثيرا مما يكتب على هذه الصفحات الزرقاء وحتى في "الكتب الشيطانية الليطانية" من غير تدقيق ولا تمحيص يجب أن لا يلتفت إليه أحد، فهو على الأقل في أحسن أحواله يكون من قبيل "أجوبة الشيخ ابن ناصر"، قلا يعتمد عليه، فينبغي أن ينطبق حالها على حال منشورات الفيس- في أغلبها- وإن كانت أجوبة الشيخ بالمحل الأرفع من تلك المنشورات كلها. قال النابغة القلاوي:
وجمعهم أجوبة ابن ناصر
** لم يكن الشيخ له بناصر.

إذ ما أراد كونها كالأم
** خوف اغترار قاصر أو أمي

لأنه أجاب كل سائل
** بحسب السائل لا المسائل.

فطورا أطلق وطولا أجملا
** من ثم كان ترك الكل أجملا.

فلا بأس من الاستفادة مما يكتبه البعض، لكن دون الاعتماد عليه كمرجع يرجع إليه، إذا لم يكن بحثا منقحا، وخاصة في الإحالات العلمية، والعمل البحثي، وبالأخص ما يتعلق بتاريخ القبيلة أيا كانت؛ لأنه نسب وحسب، له حمايته الشرعية وحساسيته، الاجتماعية.
لقد وردت في المنشور المذكور باسمه ووصفه بعض الأخطاء الكبيرة، إضافة إلى أخطاء أخرى ليست على نفس المستوى، ولكنها في النهاية أخطاء على كل حال ينبغي تجنبها وتصحيحها ما أمكن، وإنما يحصل وقوع تلك الأخطاء -غالبا- بسبب عدم تدقيق بعض الإخوة في مصادرهم الشفوية والكتابية التي يأخذون منها، وعدم عرضها على ميزان النقد، وعموما بسبب عدم الاهتمام بلهَ الاحتياط من البعض لما يكتبونه وينشرونه، وقد كان عليهم التحري، وخاصة في هذا النوع من الأمور والمواضيع المهمة الحساسة، والتي تمس جوهر اهتمام غيرهم ممن يتقاسمون معهم نفس الحقوق المعنوية. وحتى أيضا القارئ الكريم لايجوز النصب على فكره بمعلومات غير مصححة ولا مدقة، فيلزم الباحثين التحري في الإحالة إلى ذلك "المرتع الوخيم" من الأخطاء التي تشوه المصادر، وتنسف مصداقية البحث والباحث بلا رحمة، حتى لو كتب بعد ذلك عملا علميا قد لا يلتفت إليه.
وفيما يلي أذكر بعض تلك الأخطاء وأرد عليها ردا مختصرا، وأحيل إلى مراجع هي مظنة تصحيها وتداركها، لمن يريد مراجعة معلوماته على ضوء التحري والمنطق والإمكان التاريخي، لا على أساس من التعلق بـ"المتشابه من الأسماء" من دون النظر في الممكن من ذلك وغير الممكن. وبالله أستعين.
أولا: كون مفهوم لقلال أو مصطلح لقلال مشتق من الكلمة السوننكية" قلي" التي تعني اللون الأبيض، فهذا غير صحيح وغير دقيق، وقد حققت ذلك بما لا مزيد لي عليه هنا، وذلك في بحث بعنوان" قبيلة لقلال: اللقب والحسب .. والبكرية في النسب" الذي سيرى النور قريبا - إن شاء الله تعالى - بعد مزيد من التمحيص، لأن التثبت والتحري ينبغي أن يكون هو الهدف الأول كل باحث يحترم نفسه وقراءه، وهو علامة الحرص على مصداقية ما يكتب حسب الإمكان. فلا يلام الشخص إذا لم يكتب، ولكن إذا كتب فلا يهرف بما لا يعرف.
فقلي مشقة من قلة الجبل أي قنته، وهي أعلاه، أو التلة التي بنى عليها محمد قلي عريشه أول مرة، معتزلا أهل مدينة "آبير" وخاصة بعد الفتنة فيها، وهو مكان موجود، ويوجد الآن ما يدل عليه، حسب إفادة المشاهدين من الثقات، وتوافر روايات أهل شنقيط بذلك، ولا يجادل فيه إلا مكابر، والجبل هنا بحسب اصطلاح القوم المحلي، لا بالمصطلح العلمي الجلوجي، الحادث، الذي لا يعرفونه أصلا، كما يريد البعض أن يشوش به، من باب الفجور في الخصومة، وقضاء وطر النفس المسبق، الذي لا تخدمه الحقائق التاريخية ولا الوقائع على الأرض.
وأحيل هنا على أقوال أهل شنقيط عامة، وما يصدرون به في أصل هذه التسمية، كما أحيل على عدة مراجع موثوق بها، وقديمة نسبيا، ومعتبرة منها: النفحة الأحمدية لمحمد بن الشمس الحاجي، وتنوير الملوين للشيخ بوننه الفاضلي القلقمي، وواضح البرهان للعلامة التندغي الدنبجا بن معاوية، وموسوعة ابن حامد، وخاصة جزء لقلال منها، وموريتانيا: الوقائع والوفيات وذكر الحروب والإغارات للقاضي بي بن سليمان الناصري، والعذاق الحواني على نظم رسالة القيرواني، لزائد الأذان ولد الطالب أحمد. وغير هؤلاء من العلماء العدول في أزمنة وأمكنة مختلفة، وكلهم قد شاهد المكان، وسأل أهل القرية عن ذلك، فلا أق من أن يكون مرويهم أوثق من تلك الرواية التي لا شاهد عليها غير من يغاب عليها، فالإنكار معهم من المكابرة وليس من العار فقط. فالرواية بأن سبب التسمية "بقلي" هو التفريق بين البياض والسواد، أضعف من بيت العنكبوت. وأخاف أن يلتبس على المتمسك بها من غير دليل: بياض الصبح وفلقه مع حالك الظلام وغسقه.
ويكفي في ضعفها وردها أن السوننكيين لا توجد عندهم كلمة قلي بمعنى الأبيض، وإنما سماهم "الولف" أو "الجلف" بالسراخوله، وهي تعني الناس الحمر، أو الرجل الأحمر، لأن السوننكي ليسوا بسود أصلا، لسكناهم في الصحراء بين "البيضان"، فهم أهل بدو رحل، وكانوا مع صنهاجة الرمال واللثام في الفيافي والقفار. و"الولف" أصحاب اللفظة لا يوجد عندهم القاف أصلا. ويمكن الرجوع هنا إلى كتاب: إمبراطورية غانا الإسلامية للدكتور: إبراهيم علي طرخان، أو إلى كتاب: تاريخ المجتمع السوننكي في موريتانيا لبكر علي سيسي، وهو غير متهم قطعا في نفي مدلول كلمة "قلي" على البياض؛ لما يسعى إليه الإخوة الزنوج وخاصة السوننكيين منهم من محاولتهم المستميتة في مظهرهم بمظهر الشعب صاحب للبلاد والعباد. وما يروج له بعض الإخوة المتحمسين للبياض " القلي" من كلام ينقله من تسجيلات بعض الزنوج تفيد أن "قلي" بمعنى الأبيض عند السوننكي ليس إلا من تكاذيب بعض المغرضين. ومما يؤيد ذلك أن النسبة ( ياء النسبة) عند السوننكي هي عبارة ثلاثة أحرف (نكي) فلو صح أن قلي بمعنى البياض عندهم ونسبوا إليها لقالوا "قُلنكي". ويكمن الرجوع إلى كتاب علي بكر سيسي للتأكد من هذه المعلومة.
وكل ما يتكلم عنه البعض من أن مصدر كلمة" قلي" وبيئتها هو "مالي" أو زار(چارا) فهو محض خيال ووهم، لا أساس له من الواقع، فقلي كلمة واسم اقليمي ودولي، ويكفي أن في العراق وشرق آسيا وحدها ما يزيد على العشرين علما باسم " محمد قلي" ولم تأت قطعا من البياض ولا من السواد. ومن أرد الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب": الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) لعبد الحي بن فخر الدين بن عبد العلي الحَسني الطالبي. فلا تسمحوا – أيها القراء الأكارم- لمن يستهين بمعلوماتكم وعقولكم أن يروج عليكم هذه الترهات، والتفاهات السخيفة بدون أبسط دليل يذكر.
ثانيا: كون محمود بن إبراهيم – وليس أحمد، كما في المنشور من المشكك فيها- هو جد لفرع من السوننكي يسمى" سيلا" فهذا كذب مفضوح، ولا دليل عليه من التاريخ، ولا من الواقع طيلة أكثر من سبعة قرون من الزمن، وإنما يحتمل أن يكون في مالي أو السنغال ذرية لإبراهيم الإمام بن إبراهيم القائد، وهو أخو محمود ومحمد قلي الذي أمه من الحسنيين من قبيلة لمحاجيب، ومحل ميلاده ولاته التي سكنها أبوه قبل سكنه في مدينة زارا، وهو احتمال فقط.
ولكن هناك بعض العوائل الأخرى تنتسب إلى البكرية، ونسبها صحيح، حسب نسخها، وتاريخها، ومنهم من يلتقي مع إبراهيم القائد - والد محمد قلي جد لقلال - في جده الثاني، كعائلة أهل أعمر دكره، ونحوهم ممن ينتسبون للضَّحُّوك، وقد يختلط الأمر على بعضهم فينتسب "للقلية" بدون دليل؛ وذلك لعدم اتضاح الأمر عندهم أو بداعي التعرف ونيل الشهرة باسم القبيلة الشهيرة.
أما كون أهل الطالب هامه من "سيلات" كما جاء في "المنشور المختلط" فهي أكذوبة أكبر من أخواتها، فالثابت أن أباهم: محمود بن إبراهيم لم يتزوج إلا في تيشيت من امرأة من قبيلة ماسنه، وأنجب منها: محمد الحنشي والطالب هامَّ، الذين يطلق عليهم - اليوم وقديما أيضا- لحنوشة، إضافة إلى عائلة أهل الطالب أعمر، كما سمعته، ورأيته مكتوبا من طرف بعض المؤرخين كابن حامد وغيره.
الثالث: القول بأن أغلب النسابة يتفقون على بكرية محمد قلي، وهذا صحيح، ولكن أين النسابة الآخرون المعتبرون والذين لهم مصداقية قديما أو حديثا ممن لا يقولون بهذه البكرية؟، فالمفاهيم معتبرة وإن لم يرد الكاتب ذلك. فبكرية لقلال محل اجماع، من جميع من تكلم عنهم، ولم تكن يوما من الأيام محل خلاف، ولا موضع شك، فمنذ وجدوا وهم ينتسبون لمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لم يبدلوا ولم يغيروا، ولا رحلوا من مكان لمكان آخر، رغم كثرة الظاعنين من حولهم، ومغريات الرحيل إلى أخيه عبد الرحمن. فلم يعرف نسب القبيلة ظاهرة " الترحيل" مما يدل على الصحة وعدم الاضطراب: لا في أصل ولا في فرع.
رابعا: السلسلة التي جاء بها صاحب المنشور فيها انقطاع، وبعض الحذف والنقص، ولا اشكال في ذلك؛ لأن أكثر النسخ على هذه الشاكلة، ولأن كمالها وصحتها قد يكون في نقصها وانقطاعها، فاكتمال السلسلة وتنسيقها – في الغالب- دليل على الغش فيها، وتدخل يد "الصناعة والفبركة" فيها، لأن منطق الأشياء يعطي أنه لا تسلم نسخة قديمة لقبيلة بهذا الحجم من التغيير والتبديل والاختلاف، وكذلك التلف، الموجب لإعادة كتابتها من جديد؛ نتيجة لاعتبارات الظروف الزمنية والبيئة البدوية، وهذا أوضح من البرهنة عليه، فتوضيح الواضح من الفضائح، وإن كان هذا الأمر قد يفوت على البعض من أهل" التنسيق والترتيب"، ومع ذلك فإنه توجد سلسلة متصلة دونها المؤرخون قديما بدون انقطاع ولا اعضال، ومنها: سلسلة نسب لقلال من السهروردي وابن الجوزي إلى الصديق رضي الله عنه.
خامسا: عبارة: "وقد كان محمد قلي متزوجا منذ جاء إلى شنقيط الأولى من عائشة بنت يحيى..."، كل ما حوته هذه الجملة المبدوءة بقد التحقيقية هو خيال محض، لا دليل عليه، فشنقيط واحدة، لا أولى فيها ولا ثانية، بل الأولى هي آبير، وعلى كل حال هذا خطأ شائع وقديم، فيكمن التغاضي عنه والمسامحة فيه، ولكن محمد قلي لم يتزوج إلا بعد فترة من بنائه لشنقيط، وتزوج من "رازگه بنت يحيى العلوي: جد ادوعلي البيض بتججگه وغيرها، ويحيى لم يأت لشنقيط من منفاه من آبير، وجولانه في الأرض – كما نص عليه صاحب "صحيحة النقل" إلا بعد ما بنيت بيوت في شنقيط، فإنما تزوج محمد قلي من بنت يحيى التي أخوالها تجكانت، وحتى لا يكون حديثنا قصصا من الخيال الذهني أحيل على مصدر موثوق وغير متهم هنا، وهو صحيحة النقل للعلامة الشيخ سيدي عبد الله العلوي الذي هو من أحفاد يحيى العلوي، ثم أحيل لمن نقل ذلك عنه من جلة العلماء مسلما له كابن انبوجه العلوي في فتح الرب الغفور وغيره.
هذا إضافة إلى بعض الخلل في حصر ذرية سيدي بوبكر الشريف في هاشم ومقد وذكرها بذلك الترتيب المخل، الذي لا يخلو من مأخذ عليه، كما يجدر التنبيه إلى أن تاريخ بناء شنقيط ليس -على التحقيق- هو التاريخ الشائع، الذي هو سنة660هـ، وإنما بنيت سنة:810هـ، كما هو قول المحققين، بناء على بعض المصادر التاريخية الموثوقة، ومنها: ما نقله الطالب أحمد ابن اطوير الجنة في تاريخه عن العلامة سيدي عبد الله، ونقله أيضا ابن انبوجه عنهما مسلمين لذلك، وهو ما حققه بعض الباحثين المعاصرين، وهذا مما لا يؤاخذ صاحب المنشور بتبعاته؛ لأنه من الخطأ الشائع الذي عمت به البلوى، وهو من مقامات أهل التحقيق والتدقيق، ولكنه للفائدة فقط، وحتى لا ننسب " نسلا لذي عقم".
سادسا: قول صاحب المنشور بأن محمد قلي ساهم في تأسيس شنقيط هو تعبير قاصر عن المدلول المطابقي، ويزري بدور الرجل في تأسيس تلك المدينة الأم، فمحمد قلي بشهادة المراجع "العلوية" المحايدة هو صاحب المكان والمهاجر إليه، وغيره وافد عليه ومعين ومساعد، فالكل "بضنى" و"حمى" و "حَفر" أو دعا، حسب الدور المنوط به والموكول إليه، لكن محمد قلي نصيبه من ذلك نصيب الرجل من بيته ومكان خلوته وجلوته. فلنصف دورَه بما به ينعرف. ولا نساق وراء الإمعيين المغرضين أصحاب الشك والهوى من أهل الحسد والقلوب المريضة.
سابعا: أما مسألة بناء جامعة أو جامع سنكري من طرف امرأة (أغلالية)، وكذلك قضية: ألفغ= الفقيه: عبد الله بن محمد (الأغلالي) الذي شهد على كتاب السلطان أسكِيَ الحاج محمد بن أبي بكر(ت:944هـ). المكتوب لصالح حفدة الفقيه: مور محمد هوكار سنة913هـ). فهذه المعلومات لا علاقة لها بأولية قبيل لقلال التي لم تخلق في ذلك التاريخ على التحقيق الصحيح من الأقوال. وهذا هو مقتضى الحق والإنصاف.
وقبل الرد على هذه النقطة أسجل هنا أن قبيلة لقلال البكرية: تجمع ولا تفرق، وأنها قبيلة تحتوي الكثير من الفصائل الاجتماعية والمكونات القبلية، وترحب بكل ما هو جميل ومشرف، من تاريخ الأفراد أو الجماعات ذوي الصلة بها، وتثمن انجازاتهم عبر الزمن، لكنها ليست بحاجة إلى تبني ما لا تملك على حيازته دليلا، كإنجاز هذه المرأة ونحوها، أو صاحب مؤلف هنا وهناك، فهي غنية بعطائها التاريخي، وبعلمائها وتراثها عن هذا كله، "وإنما يتبنى الغراب احتضان وفقص بيض غيره"، ولو لم يكن في تاريخها المشرف إلا حيازتها لوسام "الأولية" في أمرين هما مفخرة كل شنقيطي عبر الزمان والمكان لكفاها ذلك وهما:
- أولية بناء شنقيط: المدينة العالٍمة، التي لا يمكن لأحد من أهل القطر- مهما كان حاله وعلمه - أن يسفر عن وجهه أو يتعرف إلا من خلالها.
- أولية الإنتاج الأدبي الفصيح: والتحقق باللسان العربي، الذي هو الوجه الآخر لأهل شنقيط ( بلاد المليون شاعر). فهي قبيلة ضمنت لقطرها الهويتين: الهوية التاريخية والهوية العربية. ولا تحتاج إلى تبني ما ليس لها.
خذ ما ترى ودع شيئا سمعت به ** في طلعة النجم ما يغنيك عن زحل.
فالرجل والمرأة ينتميان إلى قبيلة "كيل أغلال" أو "كلغلل" - حسب نطق البعض- وهي قبيلة من" اتوارگ" معروفة قبل أن تخلق قبيلة لقلال، ومنسوبة إلى موسى الغلالي أو نهر أغلال، ولعل هذه النسبة الأخيرة هي الصحيحة؛ لأن هذا المكان: " أغلال" قيل بأنه تابع لتنبكتُ، وقريب من عكَفَة نهر النيجر، وتنبكت مدينة أسسها التوارق في أواخر القرن الخامس الهجري، وحكموها فترات طويلة، منها أربعون سنة كانت تحت قيادة الزعيم" آكلي"، والتوارگ يولون فيها ويعزلون، وهم الذين منهم "فاطمة الفردوس" التي بنت جامع سنكري في تاريخ مجهول على وجه التعيين والتحديد، ولكنه معلوم بالحَزر والتقدير، وهو آخر القرن العاشر وبداية الحادي عشر الهجري، والأرجح أن ذلك كان بناء تجديد وترميم، لا بناء انشاء وتأسيس؛ لأن تنبكت تأسست قبل ذلك بزمان كما ذكرنا، وهذا المسجد من مساجدها القديمة، بل هو الثاني بعد مسجد" جنكري بير"، وقد سقط ورمم عدة مرات، حسب ما تدل له الكثير من الروايات المنقولة. ويمكن الرجوع إلى كتاب: "قبائل الطوارق: دراسة وثائقية "للدكتور الهادي المبروك الدالي؛ للتعرف أكثر على قبيلة " كيل أغلال" من التوارگ. والله تعالى هو الأعلم.
و"فاطمة الفردوس" من قبيلة امغجرن أو امقشرن التارگية، من أبناء عمومة قبيلة مشظوف من لمتونه: من صنهاجة الرمال. وكانت زوجة لوالد قبيلة كلنصر: المختار الأنصاري، من الأنصار، ثم توفي عنها فتأهل بها لاحقا في بداية القرن الحادي عشر والد طلبة أهل أروان: الشيخ سيدي أحمد بن آده القادم من مدينة السوق أو سوق آگاگ المعروفة هناك في بلاد التكرور، وينسب إليها كثير من العلماء، وإنما سميت بذلك لأنه حل بذلك المكان سابقا ناس من أحفاد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، قادمين من مدينة السوق (سوق لزام) في افريقية (تونس).
وقد جاء آباؤهم لمينة السوق بأفريقية مع عقبة (المستجاب) ابن نافع الفهري (التابعي)، فظن الناس أن السوق هناك في (التكرور) هي السوق في تونس وليس كذلك، فرتبوا على ذلك الخلط جملة من المعطيات الخاطئة منها: مقدم عقبة إلى تلك الأرض وهو خطأ، ساهم فيه أيضا تصحيف اسم مدينة لواتة (قبيلة بربرية) إلى ولاته( المدينة)، فقال البعض بقدوم عقبة إلى ولاته، وهو أيضا خطأ بسبب هذا الخلط من التشابه في الأسماء والتصحيف من الكتبة. وكل هذه معلومات موثقة ومحققة يرجع فيها إلى: الترجمان لمحمد محمود بن الشيخ الأرواني.
وقبل ذلك يرجع إلى الاستيعاب لابن عبد البر، وإلى أبي الحسن الصغير في شرح مختصر المدونة، وأكبر دليل على الخلط بين المدينتين أن عقبة رحمه الله قتله كسيلة، وهو كان في سوق لزام في افريقية. وقد اتفق على هذه الخلاصة التاريخية كل من: ابن عبد البر والحسن الصغير وبن ناصر في الرحلة والعياشي والورتيلاني، وطالع لذلك الترجمان للأرواني.
ثامنا: ومما يرتبط بالموضوع ويكمله أن طلبة أروان الذين هم أبناء سيدي أحمد بن آده الأرواني(ت:1044هـ) من فاطمة الفردوس من اتوارق امغجرن، لا علاقة لهم بلقلال، بل جدودهم سابقون على نشأة لقلال، وهم مدفونون في ضواحي تنبكتُ، مثل: آده ومحمد وأبي بكر، وأصلهم من مدينة "السوق" أي سوق آقاق ببلاد التكرور، وقد قدم جدودهم من مدينة سوق لزام بافريقية، ونزلوا هناك مع من نزل، وذلك هو سبب تسميتها بالسوق، الأمر الذي دخل منه الوهم على بعض الباحثين، فخلطوا بين المدينتين، ولكن هذا هو التحقيق إن شاء الله.
وبعد تخريب السوق ( أعتقد أنه في زمن الطاغية سُن أو صٌن علي) خرج بعض ساكنتها إلى مكان أروان، وتعاقبت عليه أزمنة حتى جاءه سيدي أحمد آده بعد سياحة صوفية، وبعد وصول الرماة السعديين وحكمهم للمنطقة، فوجده خاليا لا أحد فيه والناس حوله في البوادي، فسكنه ثم بدأ الناس ينضمون إليه ويسكنون معه حتى كان أروان مدينة عامرة، فلما أحس الرماة ذلك بنوا فيه "قصبة"، وجعلوا فيه القائد(الكاهيه) عبد الغفار الذي بنى المسجد الجامع في أروان. والله تعالى أعلم.
وقد دخل الوهم عل البعض فنسبهم إلى لقلال، وخاصة إلى أولاد سيدي بو بكر الشريف منها، كما حصل لابن حامد وغيره عندما نسبوا القاضي سنبير بن سيدي الوافي الأرواني(ت:1180هـ) إلى لقلال، وفي ظني أن سبب ذلك هو التشابه في الأسماء، مثل: سيدي بوبكر وسيدي الوافي التي تتكرر في أسماء كل منهما، يضاف إلى ذلك الانتساب للشرف، فكلهم ينسب إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، وهذه سلسلة نسب أهل الشيخ سيدي أحمد آده كما جاءت موثقة من كتاب الترجمان لمحمد محمود بن الشيخ بن سيدي ببكر بن القاضي سيدي أحمد الأرواني التنبكتي: "هو الشيخ سيدي أحمد بن آده بن محمد بن أبي بكر بن غوث بن بلال بن نور بن مالك بن عبد الرحمن بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه" اهـ. من كتاب الترجمان للقاضي: محمد محمود بن الشيخ الأواني. وهو حفيد هذه الأسرة العالمة الشهيرة بذلك.
وقد قال بعد هذه السلسلة:" قلت ووجدت منقولا ما حاصله: ومما يشهد لصحة نسب الشيخ سيدي أحمد بن آده أنه والشاذلي جد سيدي يحيى دفين تنبكت في مسجده المشهور أبناء عم فالشاذلي هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار.. إلخ ما تقدم، وسيدي يحيى هو يحيى بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الثعالبي بن يحيى البكاء بن الشاذلي: أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار إلخ، والشيخ سيدي أحمد بن آده هو أحمد بن آده بن أبي بكر بن غوث بن بلال بن نور بن مالك بن عبد الرحمن بن عبد الجبار اهـ.".
هذه نسخة أبناء الشيخ سيدي أحمد آده الأرواني التنبكتي، ولم أجد فيها من قريب ولا من بعيد ما يربطهم بـ"تاريخ كنبي صالح"، خلافا لما كتبه حفيدهم: عادل محمد محمود بن الشيخ في كتاب " تاريخ بني صالح، فلا أدري ما حمله على ذلك من مخالفة ما كتبه أبوه مما وجده موثقا بخط آبائه وشيوخه من نسبهم!!. علما أنه لم يورد السلسلة وإنما اكتفى بزعم أنهم من بني صالح.
وكذلك لم أقف هنا على ما يربط أهل الشيخ سيدي أحمد آده بقبيلة لقلال البكرية بواسطة إحدى مكوناتها المهمة، وهم أبناء سيدي ببكر الشريف دفين شنقيط.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


إرسال تعليق

أحدث أقدم