غزوة بني المصطلق
تتحدّث
السيرة النبوية الشريفة عن حياة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- منذ ولادته إلى
وفاته، وقد سطّرت صفحاتها العطرة سيرة أعظم خلق الله بأدق التفاصيل؛ لتكون
نِبْراسًا يُهتدى به، ومن جملة ذلك غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها: غزوة
بني المصطلق ،
وهي من الغزوات الهامة في حياة المسلمين؛ حيث كانت ساحةً لكيد المنافقين؛ بإثارة
النعرات بين المهاجرين والأنصار، و إثارة الشائعات ضد بيت الرسول -عليه الصّلاة
والسّلام- إذ وقعت فيها حادثة الإفك، وسبب غزوة
بني المصطلق أنّ سيد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار قد قام بتجهيز قومه والمؤيدين
له من العرب وإعدادهم وجمعهم لحرب المسلمين؛ فلمّا علم النبي -صلّى الله عليه
وسلّم- بذلك خرج من المدينة المنورة إليهم على رأس جيش المسلمين، ويضاف إلى ذلك
أنّ بني المصطلق كانوا من الذين شاركوا قريشًا في حربها ضد المسلمين في معركة أحد،
وأنّهم قد قاموا بالسيطرة على الخط الرئيسي المؤدي لمكة؛ فشكلوا بذلك حاجزًا
منيعًا يمنع امتداد نفوذ المسلمين إلى مكة.
إن خروج
النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لحرب بني المصطلق كان بهدف مباغتتهم قبل وصولهم إلى
المسلمين؛ للتخلص من شرهم وعدوانهم، ووضع حد لمحاربتهم للإسلام، ومعاداتهم للدعوة
الإسلامية، وقد تحققت أهداف غزوة بني المصطلق؛ إذ تفاجأ العدو بجيش المسلمين على
خلاف ما خطط له، وقد كان النصر حليف المسلمين، حيث نصرهم الله -سبحانه وتعالى- على
عدوهم في هذه الغزوة، وكان لغزوة بني المصطلق آثار مباركة على الدعوة الإسلامية
أسهمت في إعزاز المسلمين؛ إذ دخل بعدها قوم بني المصطلق في الإسلام، إضافةً إلى
كشف نفاق المنافقين وتقوية صفوف المسلمين.
خرج النبي
-صلّى الله عليه وسلّم- على رأس جيش المسلمين من المدينة المنورة حتى وصل إلى
منطقة تعرف بماء المريسيع، لذلك تُعرف غزوة بني المصطلق أيضًا بغزوة المريسيع
نسبةً إلى اسم تلك المنطقة، وقد جرت أحداث غزوة بني المصطلق في شهر شعبان من السنة
الخامسة للهجرة.
كان من نتائج
غزوة بني المصطلق تزوج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من جويرية بنت الحارث –رضي
الله عنها- زعيم بني المصطلق، وقد كان هذا الزواج سببًا في إسلام قوم بني المصطلق؛
فبعد زواج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- حرر
الصحابة -رضي الله عنهم- الأسرى و ردوهم إلى أهلهم بعد أن تملكوهم باليمين في قسم
الغنائم؛ حيث استكثروا على أنفسهم أن يتملّكوا أصهار نبيهم عليه الصّلاة والسّلام،
وقد فعل الصحابة ذلك حبًا في النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتكريمًا له وإكبارًا
لشخصه العظيم. وقد كان لهذا العتق الجماعي أكبر الأثر في نفوس بني المصطلق، وسبب
في إسلامهم جميعًا، الأمر الذي قوى شوكة المسلمين، وزاد في عددهم ونفوذهم، كما كان
من نتائج غزوة بني المصطلق كشف نفاق المنافقين، وإحباط مؤامراتهم تجاه المسلمين،
والتفاف المسلمين حول النبي -عليه الصّلاة والسّلام- وكذلك إحباط محاولة المنافقين
النيل من بيت النبوة الكريم في حادثة الإفك، وتبرئة أم المؤمنين الصديقة ابنة
الصديق السيدة عائشة -رضي الله عنها- مما نسبه إليها بعض المنافقين وتمت إشاعته
بين النّاس في المدينة المنورة، فأنزل الله -سبحانه وتعالى- براءتها في القرآن
الكريم وفي ذلك أعظم شهادة وأكبر تكريم.
:
التاريخ