تحريم انتساب الإِنسان إِلَى غير أَبيه

 

 

 


تحريم انتساب الإِنسان إِلَى غير أَبيه

 

 حمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا "باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه، وتوليه إلى غير مواليه"، انتساب الإنسان إلى غير أبيه يكون على أحوال، وصور مختلفة، وكل ذلك محرم، لكنه يتفاوت في مرتبة التحريم،

 عن سعد بن أَبي وقاصٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: مَن ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ فَالجَنَّةُ عَلَيهِ حَرامٌ. متفقٌ عليهِ[1].

اهتَمَّ الإسلامُ بأمْرِ الأنسابِ، وأمَرَ بحِفظِها وصِيانتِها، وشرَّعَ مِن التَّشريعاتِ ما تُصانُ به مِن التَّداخُلِ، ومِن هذه التَّشريعاتِ تَحريمُ أنْ يَنتسِبَ المرْءُ لغَيرِ أبيهِ.

وفي هذا الحَديثِ حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن نَسَب نفْسَه لغيْرِ أَبِيه الحقيقيِّ، واتَّخَذه أبًا رَغبةً عن أبيه، وهو يَعلَمُ أنَّه ليْس أباهُ؛ وقُيِّدَ بالعِلمِ؛ لأنَّ الإثمَ إنَّما يَترتَّبُ على العالِمِ بالشَّيءِ، المُتعمِّدِ له، فلا بدَّ منه في الحالَتَينِ إثْباتًا ونَفيًا، وقيلَ: أتى هذا الشَّرطُ؛ لأنَّ الأنْسابَ قدْ تَتَراخى فيها مُدَدُ الآباءِ والأجْدادِ، ويَتعذَّرُ العِلمُ بحَقيقتِها، وقد يقَعُ اخْتِلالٌ في النَّسبِ في الباطِنِ مِن جِهةِ النِّساءِ، ولا يَشعُرُ به.

وهذا الفعل الدَّنيءُ إنَّما يَفعَلُه أهلُ الجَفاءِ والجَهلِ والكِبرِ؛ لخِسَّةِ مَنصِبِ الأبِ ودَناءَتِه، فيَرى الانتِسابَ إليه عارًا ونَقصًا في حقٍّ، وأخبَر بأنَّ دُخولَ الجنَّةِ مُحرَّمٌ عليه.

وفي هذا الحديثِ قِصَّةٌ، كما عِند مُسلمٍ عن أبي عُثْمانَ النَّهديِّ، قال: لَمَّا ادُّعي زِيادٌ -أي: ادَّعاه معاوية ُ- لقيتُ أبا بكْرةَ فقلْتُ: ما هذا الذي صَنعتُم؟! إنِّي سَمِعتُ سَعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ يقولُ، فذَكَر الحديثَ مَرْفوعًا؛ وإنَّما خَصَّ أبو عُثمَانَ أبا بَكْرَةَ بالإنكارِ؛ لأنَّ زِيَادًا كان أخاه مِن أُمِّه، وقدْ أَلْحَقَ زيادٌ نَسَبَه بأبي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، وكان أبو بَكْرَةَ يُنكِرُ هذا.

وفي الحَديثِ: النَّهيُ والتَّحذيرُ مِن انْتِسابِ الإنْسانِ إلى غيرِ أبيه.

وفيه: أنَّ انْتِسابَ الإنْسانِ لقَومٍ لا يُوجَدُ نسَبٌ له فيهم سَببٌ مِن أسْبابِ العَذابِ والحِرمانِ مِنَ الجَنَّةِ.

 وعن أبي هُريْرَة عَن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أبيهِ فَهُوَ كُفْرٌ متفقٌ عليه[2].

من رَغِبَ عن نسب أبيه عالمًا مختارًا، فهو كفر أصغر، وليس المراد حقيقة الكفر، الذي يخلد صاحبه في النار، بل هو كفر دون كفر، وهذا تأكيد وتشديد لتحريم هذا الفعل وتقبيحه.

 وَعَنْ يزيدَ شريكِ بن طارقٍ قالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلى المِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتهُ يَقُولُ: لاَ واللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ نَقْرؤهُ إلاَّ كِتَابَ اللَّه، وَمَا في هذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا فَإذا فِيهَا أسْنَانُ الإبلِ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحاتِ، وَفيهَا: قَالَ رَسولُ اللَّه ﷺ: المدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فيهَا حَدَثًا، أوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَة وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّه مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة صَرْفًا وَلا عَدْلًا، ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه والمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّه مِنْهُ يَوْم الْقِيامَةِ صَرفًا وَلاَ عدْلًا[3].

وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبيهِ، أَوْ انتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَاليهِ، فَعلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالملائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يقْبَلُ اللَّه مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا. متفقٌ عليه.

  وَعَنْ أَبي ذَرٍّ أنَّهُ سَمِعَ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: لَيْسَ منْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْر أبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَليَتَبوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أوْ قالَ: عدُوَّ اللَّه، وَلَيْسَ كَذلكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ متفقٌ عليهِ، وَهَذَا لفْظُ روايةِ مُسْلِمِ[4].



[1]صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6766

[2] صحيح البخاري -أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري - تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر -الناشر : دار طوق النجاة -الطبعة: الأولى 1422هـ.

[3] رواية مسلم.

[4]   صحيح البخاري، دار طوق النجاة، ط 1422هـ.  صحيح مسلم، ط دار إحياء التراث العربي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.   تيسير العلام، للبسام، الناشر: مكتبة الصحابة، الأمارات - مكتبة التابعين، القاهرة، الطبعة العاشرة، 1426هـ - 2006 م.   الإلمام بشرح عمدة الأحكام، لإسماعيل الأنصاري، ط دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 1381هـ.



إرسال تعليق

أحدث أقدم