أولية شنقيط بين الحقيقة والتحريف
" نصوص ناطقة"
تحدث ابن انبوجة العلوي عن أولية شنقيط، فقال في كتابه: فتح الرب الغفور: "أصل شنقيط فلاة جرداء عارية من الحجارة ، أول من دخله وسكنه الامام محمد غلي بن إبراهيم الصديقي، فوجدها جميلة فسكنها" ، وقد كان أول من هاجر إلى الإمام محمد قلي: هو جَدُّ اديجرات وأعمر يبني، جد آمگاريج، ثم بعد ذلك بفترة جاءهم يحيى العلوي جَدَّ ادوعلي البيض، وكلهم من العليين، وقد تأسست مدينة شنقيط سنة660هـ) حسب قول الأكثرين من أهل التاريخ. وعند بعض المحققين أنها تأسست سنة 800هـ) أو (810هـ).
وقال محمد الأمين الشنقيطي العلوي في الوسيط ناقلا عن سيدي عبد الله العلوي - رحمه الله تعالى- في "صحيحة النقل" وهو يحكي عن حال ادوعلي في آبير وأول خرابها وانتقالهم منها: "وكانوا يقتلون من قتل، حتى قتل جدنا يحيى قتيلاً، فقال بعضهم: نقتله، وقال بعضهم نطرده، ثم طردوه، ولم يقتلوه؛ لشرفه فيهم، وعلو منزلته، فجال في البلاد، ثم أتى شنجيط، وقد بنيت فيه بيوت قليلة فيها: أعمر يبنى وجد إد يجر ومحمد غل، فأراد النزول معهم فقال بعضهم: خلوه ينزل معكم، لكن سيستبد بالأمر عليكم، فسكن معهم".
قال: "وابتداء عمارة هذا، إلى زوال عمارة ذاك، أربعون سنة. وكان في شنجيط أحد عشر مسجدا، بالمسجد العتيق العامر اليوم، وله اليوم[1210هـ] نيف وأربعمائة سنة، والناس يقولون إنه من المدائن السبع، ولا أدري ما المدائن السبع، ولما اختصت بالسبع دون سائر المدائن. فإن كان المراد أنها هي الموجودة زمنه صلى الله عليه وسلم، فالموجود إذ ذاك أكثر. والمراد آبير: لأنه هو القديم، لكنهما كالبلد الواحد... فبقيت دولتهم بشنجيط دولة دين ودنيا، ثلاثا وثمانين سنة، مدة حياة الشيخ سيدي أحمد بن الوافي فلما توفي، وقعت الحرب بينهم، واعتزل الفتنة من اعتزلها فمنهم من خرج شذر مذر. ومنهم من بقي مع اعتزاله إياها، حتى انقضت الحرب بين أهلها. قال سيدي عبد الله: وآبير: قريب جدا من شنقيط. ومعنى شنقيط: عيون الخيل، ثم لم تزل عمارة شنقيط تنمو، وتضمحل عمارة آبير، إلى أن لم يبق فيه داع ولا مجيب" .
وجاء أيضا في كتاب "فتح الرب الغفور في تواريخ الدهور لابن انبوجه العلوي ناقلاً عن سيدي عبد الله العلوي في صحيحة النقل ما نصه: "وسكن شنقيط أعمر يبني وجد اديجر ومحمد غل فجاء يحيى العلوي فأراد [السكنى] معهم فسكن. فقال سيد محمد غل: ويلكم منه. وكان يحيى خرج من آبير، وهو قريب من شنقيط. ثم قال: (سيدي عبد الله) بلغنا أن كل القبائل المسمات بـ "إيد" - بكسر الهمزة وسكون الدال- من قبائل الزوايا خرجت من آبير. وكان العلويون فيه اثنين وأربعين قبيلة من بين صميم وحليف، وكانوا يقتلون من قتل أحدا حتى قتل جدنا يحيى قتيلا فقالوا: نقتله! ثم طردوه ولم يقتلوه لشرفه وعلو منزلته، فجال في البلاد ثم أتى شنقيط فسكن انتهى". قال ابن انبوجه:" ثم مكث ثلاث ليال مع محمد غلي، فقال في الرابعة: إني أريد أن أسكن معكم ثم سكن. فلما كان من ثلاثة أيام بعد ذلك قال لأعمر يبني أقلع الحجر ولجد اديجر انحت الشجرة، ولمحمد غلي أدع الله لعله أن يسهل علينا ففعلوا، ثم بنوا المسجد العلوي ودارا وبيتا، وكل منهما صغيرة، في عام ثمان مائة [800هـ] كما أخبر به الطالب أحمد بن اطوير الجنة أسكنه الله أعلى الجنة، عن شيخه سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم أنه حدثه عام عشر ومائتين وألف [1210هـ] أن له ذلك الوقت أربعمائة سنة" .
ثم بعد هذه النصوص الصادحة والمصرحة بأن محمد قلي هو أول من دخل شنقيط وسكنها، ووجدها فلاة، وأعجبته فسكنها وأنه بعد ذلك انضم إليه مهاجرون ممن سكنوا معه من العلويين، وباشروا البنيان معه يأتيك من زعم أن محمد قلي لم يرد اسمه في صحيحة النقل التي نشرها البعض، وأن تاريخ شنقيط لا يسمح بذلك بناء على تخرصات وهمية، لا مصداقية لها، ولا تحترم الامكان التاريخي، ولا تلتزم الأمانة العلمية! سبحانك هذا بهتان عظيم.
فسواء قلنا إن شنقيط بنيت سنة660هـ) أو سنة800هـ) فهذا لا يغير شيئا من الحقيقة، ولا يمنع من كون محمد قلي هو الذي أسسها؛ لأن تاريخها مرتبط بتاريخه، فهو أصلها وأول من سكنها، فيؤرخ لها من تاريخ بنائه هو لها، وليس بين محمد قلي وجده السهروردي خمسة أجداد - كما زعم البعض- قائلا بأن الزمن الفارق بين محمد قلي والسهروردي لا يكفي لحياتهم، وإنما هم أربعة فقط على الصحيح: إبراهيم ومحمد( أبو بكر= بيك)، وجابر وموسى الطاهر. و(97) كافية لحياتهم، مع أن ذلك الحساب أمر نسبي وتخميني، لا ينضبط كما حققه المؤرخون، نتيجة تغيره بعوامل الزمن وظروف المعيشة والنمو الديمغرافي. فمتى يتحمل الاخوة الباحثون المسؤولية التاريخية والأمانة الشرعية، ويستيقنوا أنم عملية محاولة "تطويع" التاريخ وفق الأهواء والرغبات الخاصة هي محاولة محكوم عليها بالفشل المسبق؟.
علينا أن نعلم أن نِسخ" صحيحة النقل في علوية ادوعلي وبكرية محمد قلي" لا يمكن حصرها في نسخة واحدة، فكثير منها كان قد توصل به العلماء، والطلاب فانتشر في البلاد، ولا يمكن التحكم في مضمونها من خلال جزء من نسخة واحدة قد دخلتها يد الصَّنعة بدليل مخالفتها لما نقله العلماء الأثبات، ومع ذلك ليست هي المصدر الوحيد في أولية بناء شنقيط فالتاريخ محفوظ، وهو للجميع، وخاصة تاريخ حاضرة شنقيط الرمز، ومن حقهم المحافظة عليه، وحمايته من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.والله المستعان، وعليه التكلان.
:
التراجم